ريفيرا.. كلمة إيطالية مشتقة من اللاتينية، وتعنى «الساحل»، وهناك مناطق ساحلية عديدة يطلق عليها «ريفيرا»، لكن تظل الريفيرا الفرنسية والإيطالية هى الأشهر فى العالم، وتستقبلان ملايين السائحين من مختلف الدول، وتعتبران جوهرة السياحة، والدجاجة التى تبيض ذهبا للدولتين الأوروبيتين، وتشتهر الريفيرا دائما بمناخها المعتدل وسمعتها كنمط حياة هادئ وموانئ صيد قديمة ومناظر طبيعية، وفنادق رائعة.
وبالمناسبة، هناك ريفيرا فى بعض الولايات المتحدة الأمريكية، أبرزها ريفيرا فلوريدا، كما أن هناك ريفيرا مصرية على ساحر البحر الأحمر، تضاهى الإيطالية والفرنسية.
تعد السياحة قاطرة التنمية، لأنها نشاط مؤثر فى العديد من الأنشطة الاقتصادية الأخرى، فهى تحتاج إلـى الـخـدمـات الـتـى تقدمها قـطـاعـات الـنـقـل، والـفـنـادق، ومـؤسـسـات تـقـديـم الأطـعـمـة والـمـشـروبـات، والمؤسسات الثقافية، والترفيهية، والبنوك، ومؤسسات الدعاية والترويج وغيرها، وهو ما يجعل السياحة تلعب دورا مهما فى التأثير فى الدخل القومى بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
ولنتفق أيضا أن إسرائيل منافس قوى على تورتة السياحة فى المنطقة، وكانت منذ عقدين أو أكثر تزاحم مصر وتركيا وتونس، وكانت المنافسة على أشدها قبل أن تدخل دبى فى المضمار السياحى، خاصة سياحة المؤتمرات وتنظيم الفعاليات الكبرى والتسوق.
وعندما تقرر الإدارة الأمريكية، ذات الفكر والنهج القائم على عقد الصفقات والاستحواذ والسيطرة، أن تستحوذ على «غزة» عنوة وطرد سكانها الأصليين فى جريمة القرن، ثم تحولها إلى ريفيرا، فإن الهدف واضح وجلى، مزاحمة شديدة للاستحواذ على أكبر قطعة من تورتة السياحة فى المنطقة، ومزاحمة الدول التى تتمتع بمقصد سياحى كبير مثل مصر، وإن كانت تتمتع بمقومات سياحية متعددة، فإن السياحة الترفيهية «سياحة الشواطئ» تلعب دورا بارزا فى استقدام السائحين من جميع أنحاء الدنيا لشرم الشيخ والغردقة ومرسى علم على وجه الخصوص.
أيضا، محاولة حثيثة من اقتطاع جزء كبير من حركة السياحة فى دبى، القائمة على سياحة المؤتمرات والتسوق وإقامة الفاعليات الكبرى، رياضية وفنية وثقافية، بجانب النشاط التجارى الكبير، وجذب الاستثمارات الضخمة.
أيضا ستكون ريفيرا غزة منافسة بقوة للمقاصد السياحية التركية، إذا ما وضعنا فى الاعتبار أن المقومات السياحية فى مدن تركيا المختلفة قائمة على الترفيه وفى القلب منها الشاطئية، وبما أن تركيا تحقق عائدات كبرى وتستحوذ على رقم معتبر من السياحة فى المنطقة، فإنها ستتأثر تأثيرا بالغا من مشروع الحلم للرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ورفيق دربه فى المخططات الكارثية، رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتانياهو.
ناهيك عن مشروع المملكة العربية السعودية «نيوم» على البحر الأحمر، التى تطمح فيه أيضا أن تُعدد مقاصدها السياحية ولا تقتصر فقط على السياحة الدينية لتحقيق الحسنيين.
إذن مخطط الإدارة الأمريكية، ومن أمامها وخلفها الحكومة الإسرائيلية، تحاول ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب والمغانم الاقتصادية والاستراتيجية، فمن ناحية السياسة، تهجير سكان غزة من أراضيهم وتصفية القضية الفلسطينية، لتصير من التاريخ، واعتقاد أن هذا الحل سيجلب الأمن والاستقرار لإسرائيل، وتحقيق أهدافها فى التوسع وضم مزيد من الأراضى دون إدراك سياسى حقيقى. إنه سيشعل المنطقة برمتها.
الأمر الثانى سياسيا، أن يصبح الوجود الأمريكى فى المنطقة رسميا وشرعيا بحكم أن غزة ستصير أراضى أمريكية، وكأنها ولاية تابعة للحكومة الفيدرالية، وهنا مكمن الخطر.
بينما المغنم الأهم، العائدات الاقتصادية الضخمة لمشروع «الريفيرا»، سياحى وتجارى وتسوق، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية، إذن تأثيرات استحواذ أمريكا وإسرائيل على غزة خطورته متعددة الأوجه على الأمة العربية جمعاء، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، ولا يتصور أحد أنه بمنأى عن هذه التهديدات الخطيرة.. لذلك، فإن الاصطفاف العربى وتوحيد الصفوف أمر وجوبى، تختفى فيه رفاهية التفكير أو المراوغة وإيجاد الحيل والمبررات، لأن حجم المخطط أكبر وأخطر مما يسطره أو يرسمه الخيال السياسى الخصب، وعصى على مواجهته فرادى، وإنما جماعة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة